أم كلثوم.. معجزة الغناء العربي

في ظل (فوضى) الأغنيات التي تقتحم حياتنا في كل لحظة، وبين غثها وسمينها، وفي زمن سطوة الصورة، قد يعتقد الكثيرون أن الخيط الأخير بين شباب هذا الجيل وبين الطرب الأصيل قد انقطع تماماً! قد يبدو ذلك صحيحاً في ظاهر الأمر، لكن تهافت المغنين الجدد على غناء الطرب الأصيل وبخاصة أغنيات أم كلثوم ومحاولة استعراض قدراتهم الصوتية من خلالها، يؤكد أن الشباب ورغم تعطشهم لـ(الفنتازيا) وكل ما هو جديد وغريب وعجيب من حيث الشكل والكلمات واللحن إلا أنهم يوقنون ويعترفون تماماً بأهمية أم كلثوم، باعتبارها بوابة الفن الأصيل وأحد أهم رموزه، ولذلك نجدهم في بداياتهم أو في برامج مسابقات (النجوم) يحرصون كل الحرص على أداء تلك الأغنيات، ويعتبرون نجاحهم في أدائها بمثابة شهادة تؤهلهم لخوض غمار (الأغنية) بأنواعها! وقد يتعدى الاهتمام بصوت أم كلثوم إلى شغف بالتعرف على أسرار حياتها، نشأتها، وحقيقة الإشاعات التي تناولت حياتها الشخصية، فالفضول عادة ما يدفع الناس للبحث عن خفايا وتفاصيل حياة هؤلاء المشاهير التي تبقى مثار الجدل حتى بعد وفاة النجم بعشرات أو حتى مئات السنين! إلى من يتملكهم ذلك الفضول نعرض اليوم كتاب ''أم كلثوم.. معجزة الغناء العربي'' للمؤرخة الموسيقية الدكتورة رتيبة الحفني، والذي نشرت طبعته الأولى عام 1994، وقامت وزارة الثقافة مؤخراً بإعادة طباعته ضمن سلسلة سير وأعلام في مشروع مكتبة الأسرة.
في الفصل الأول من كتابها ''النشأة والتطور الفني'' تتناول الحفني طفولة أم كلثوم في قرية ''طماي الزهايرة'' وكيف تم اكتشاف موهبتها في الغناء، وتستعرض المحطات المهمة في مسيرتها مثل لقائها الشيخ أبو العلا، وزيارتها الأولى للقاهرة، وعن علاقتها بالعديد من الشخصيات مثل منيرة المهدية وسيد درويش وعبدالوهاب وكيف دخلت أبواب الشهرة العالمية.
ملحنو أغاني أم كلثوم هو موضوع الفصل الثاني؛ ففيه تناولت بالتفصيل لقاء أم كلثوم بنخبة من الملحنين أمثال القصبجي، زكريا أحمد، السنباطي، محمد الموجي، كمال الطويل، بليغ حمدي، وأخيراً تعاونها الفني مع الموسيقار عبدالوهاب.
وأفردت الحفني الفصل الثالث للحديث عن علاقة أم كلثوم بالشعر والشعراء أمثال بيرم التونسي، أحمد رامي، أحمد شوقي، وغيرهم.
أما في الفصلين الرابع والخامس فقد تناولت الحفني أسلوب أم كلثوم في الغناء، والقوالب الغنائية التي غنتها مثل القصيدة، الطقطوقة، المونولوج، الأغنية الوطنية، وعلاقتها بالسينما والأفلام التي قامت بتمثيلها، والأوسمة والنياشين والتقدير الذي حصلت عليه، كما تناولت معاناتها في مواجهة مرض الغدة الدرقية.
''أم كلثوم في ذمة التاريخ'' هو عنوان الفصل السادس والأخير من كتاب الحفني وفيه تناولت عدة مواضيع منها: الشهور الأخيرة في حياة أم كلثوم الفنية وصدى خبر وفاتها، وكيف خلدها الفن التشكيلي، وبماذا وصفها القادة والمشاهير، وبعض المأثورات والشهادات التي وردت على لسانها في وصف عدد من الملحنين والمطربين والمطربات أمثال شادية وفايزة أحمد.
قال عنها مصطفى أمين ''رغم أن أم كلثوم كانت أشهر امرأة في العالم، إلا أنها كانت زاهدة في الشهرة، وكانت إلى سنوات قريبة تخاف من الصحفيين، ولم تهاجم فنانة في مصر كما هوجمت أم كلثوم، ونشرت عنها القصص والأكاذيب، أطلقت الإشاعات، ولكن الطوب والأحجار التي ألقيت عليها لم تهدم الهرم بل زادته ضخامة.
أم كلثوم عدة شخصيات في امرأة واحدة، فهي مثلاً على المسرح تبدو طويلة بالنسبة للناس مع أنها في حقيقة الأمر قصيرة.. وللناس تبدو بخيلة وهي كريمة، ولأهل السنبلاوين تبدو فلاحة، وهي ''سيدة صالون'' من الطراز الأول، ولأساتذة الجامعة سيدة لها فكر راق، وبالتحديد هي لم تدخل مدرسة، ومع ذلك فهي أكبر النساء المثقفات في مصر''.
قد تجد تناقضاً بين كتاب الحفني وغيره من المصادر فيما يتعلق ببعض الروايات أو التفاصيل المتعلقة بحياة أم كلثوم، وهو أمر طبيعي نظرا لما يكتنف حياة المشاهير من غموض أحياناً وما يثار حولها من الإشاعات في كثير من الأحيان. إضافة إلى رؤية المؤرخ الخاصة، ومدى موضوعيته في الطرح.

اي والله فعلاً هي معجزة ولذلك لا أطيق سماعها لأني لاأطيق أن أبكي